أسباب التضخم المباشرة
التضخم مشكلة اقتصادية نتجت من سوء قرارات صانعي القرار، بتطبيق واتباع سياسات اقتصادية غير مدروسة النتائج لأكثر من مستوى وكذلك على أكثر من قطاع، ليس فقط محليا، ولكن عالميا أيضا. ولأنه كان الغرض منها مصلحتهم وزيادة أموالهم فقط.
من أهم أسباب التضخم عالميا المؤسسات المالية المتمثلة في قطاع البنوك، وذلك بشكل عام، وذلك لما له من تأثير مباشر لإتاحة سيولة نقدية مباشرة وسريعة لقطاع كبير من المودعين، وذلك في صورة قروض بضمان ودائعهم المالية لدي المؤسسة البنكية، وغالبا بتكون ليس لها ضرورة حقيقية لدى هؤلاء العملاء (القروض)، ولكن يقبلوها لأنها ستتيح لهم شراء منتجات أو مواد أو أشياء أخرى كثيرة بغرض ما يزعمون أنه استثمار أو عمل مشروعات صغيرة وأحيانا متوسطة أو كبيرة، أو حتى لزيادة الانفاق الاستهلاكي فقط.
لماذا تقوم البنوك بهذه الخطوة؟ لأنهم الجهة المباشرة المستفيدة من فائدة هذه القروض، وهي مصدر ربحهم الوحيد والمباشر والمفترض والمتعودين عليه، وذلك مما يخيل لهم أنهم يحسنون توظيف المال المودع لديهم ويتم تدويره سوقيا مما يحقق ربح لكل بنك أو لكل مؤسسة مالية.
نظريا هذا صح طبعا، ومفروض أنه يحقق عائد مادي وفير للطرفين. ولكن هذا في حال استغلال الأموال في انشاء مصانع منتجة حقا وتزيد من الطاقة الإنتاجية والثروة القومية لكل بلد فعلا.
ولكن ما يحدث في معظم الأحوال وفي كل مكان تقريبا عالميا أيضا، أن معظم من يتلقون هذه القروض ليس لديهم خبرة كافية في إنشاء أو إدارة منشأة صناعية حقيقة، ومعظمهم يقوموا بفتح محلات صغيرة غالبا في مجال التغذية أو الملابس أو السلع الاستهلاكية بشكل عام. البعض قد ينجح ويحالفه الحظ والغالبية تفشل، للأسف الشديد معظم الوقت وفي كل مكان أيضا.
الغريب أنه توجد شريحة منهم لا يقومون بعمل أي مشاريع على الاطلاق، ولكن يقوموا باستخدام كل القرض في الانفاق المعيشي، ويقوموا بدفع أقساط القرض أو الدين من أصل القرض نفسه.
إذا بحثت عن نسب وأرقام وتحليل لعدد المقترضون ستفاجأ بقصص، وحكايات، ونتائج غريبة، ومخيفة.
كذلك من أسباب القيام بهذا العمل، كثرة إعطاء موظفين البنوك كورسات في المبيعات لكي يعلموا الموظفين أن يعرضوا بيع فكرة اخذ قرض على العميل وإتاحة كمية زائدة من المال له حتى وان لم يطلب العميل هذا الطلب. فتجد كل عميل يذهب لإيداع مبلغ في البنك يتم إقناعه بأخذ قرض أو فتح بطاقة ائتمانية له مما يتيح له سهولة ومرونة في الشراء والتحرك. ومن هنا تبدأ سلسلة المشاكل.
وطبعا تجد الكل يوافق على هذا العرض المغري جدا، النفس البشرية ضعيفة جدا أمام المغريات بصفة عامة والمال والمادة بصفة خاصة. ومن هنا تبدأ الكارثة والمعاناة للجميع ولكل طبقات المجتمع.
طيب نرجع تاني لأصل الفكرة وهي إقراض المودعين بفائدة لتتيح لهم او لتعينهم على تنفيذ مشروعات. كما ذكرنا الفكرة جيدة، ولكن تنفيذها خطأ، أو تطبق بشكل خاطئ وعشوائي.
المفروض لكي تتحقق فائدة حقيقية وتحدث تنمية حقيقية أن يتم الإقراض فقط في حالة انشاء مصانع، لها خطوط انتاج، تنتج مواد حقيقية ملموسة ولها نفع حقيقي على المجتمع. على الأقل خلال الخمس سنوات القادمة، وتكون قابلة للتجديد.
الحلول المقترحة:
· يجب أن تتوقف عملية أو فكرة الإقراض لكل الافراد المودعين بشكل عام وكما يحدث الآن. ولكن يتم عمل بطاقات ائتمان على حسب حجم او كمية المال المودع لدى البنك فقط وليس أكثر منه. (على قدر ماله المتاح لديه فعلا).
· يجب أن تقوم البنوك بالاستثمار في أنشاء مصانع فقط، أو شراء وحدات سكنية أو محلات تجارية تقوم بتأجيرها للأفراد وليس العكس كما يحدث حاليا. (ستقوم بتحميل سعر الفائدة على القسط الشهري للإيجار، لتحقق ربحيتها من توظيف المال)
توجد بعض البنوك تقوم بتأجير مكان لفتح فرع جديد لهم في منطقة سكنية معينة وتقوم بتأجيرها من الأفراد الذين يمتلكون المكان.
· يجب أن يتوقف موظفين البنوك على عرض مبدأ الإقراض للعامة من الأفراد بداعي أو بدون داعي.
· يجب أن تصنف القروض على حسب إنتاجيتها (منتجة أم غير منتجة) وليس فقط على نسبة مخاطرها أو مدة تسديدها.
· يجب أن تقوم البنوك بشراء الوحدات السكنية وبالتالي تكون مملوكة كأصول للبنك، ثم يقوم كل بنك بإنشاء إدارة مخصصة لتأجير هذه الوحدات والتعامل معها، كأنهم إدارة منفصلة عن البنك مع أنهم جزء من البنك، بمعنى هم مهتمين بتنفيذ القواعد والالتزام بتنفيذها دون الرجوع للبنك مرة تانية، ودون تعقيدات ليس لها معنى، هم أدارة مختصة بالتأجير وتحصيل الايجار لصالح البنك فقط لا غير.
· تقوم البنوك بشراء كل المصانع المعروضة للبيع المحلي سواء الحكومي منها آو الخاص، ومرة ثانية تنشأ إدارة مختصة بإدارتها وأيضا يتم تطبيق مبدأ المشاركة المالية في رأس المال لكل العاملين في كل مصنع، يتم عمل أسهم بنسبة تصل الى ٤٥٪ وتكون مخصصة للعاملين بكل مصنع، إحساس الملكية الشخصية لكل فرد، هو سبب مباشر لنجاح أي مكان أو أي مؤسسة وبدون تطبيقه لن يتحقق النجاح، والرخاء، والثبات، والاستقرار السوقي والمالي أبدا. مهما قمت بتجارب.
· عندما تقوم البنوك بشراء المصانع ستستطيع تحويلها إلى مصانع منتجة وخصوصا لو طبقت مبدأ المشاركة المذكور عالية.
· يتم مشاركة الملكية أيضا لموظفين هذه الإدارات والتي ستقوم بإدارة هذه المصانع أو هذه الوحدات السكنية، وذلك للقضاء على الفساد والرشوة وغيرها مما شابهها من سلوك سيء وفاشل.
· ليس كل ما يفعله الغرب جيد ومفيد ونافع وصح مائة بالمائة، ولذلك لا يجب علينا الانقياد ورائهم وتقليد كل ما يفعلون ونقله بالحرف الواحد والتطابق المحكم، ولكن علينا أن نقوِم الأفكار ونعيد صياغتها بما يناسبنا ويحقق لنا ولمجتمعاتنا وأسواقنا النجاح والاستقرار.
· يجب دائما أن نبدأ من حيث أنتهى الآخرون، يجب أن نتعلم من تجاربهم ومشاكلهم، ولا يجب السير على نفس النهج والطريق ولا سيما لو ثبت عدم نجاحه حقيقة لديهم، يجب التقييم داخليا وعلى كل المستويات وليس ظاهريا ونظريا فقط.
· بدلا من إعطاء موظفين البنوك كورسات في البيع، يجب إعطاؤهم كورسات في كيفية التعامل مع العملاء وتقديم خدمات بطريقة احترافية مهذبة تشعر العميل بأهميته لدى البنك، واحترام وقته ومعاملاته مهما صغر حجمها.
· كذلك يجب إلغاء طلب ( من أين لك هذا) وهو سؤال كل شخص من أين أتيت بالمال هذا، سواء للعملة المحلية أو العملة الأجنبية، أعرف أن الغرض منه هو القضاء على عملية غسل الأموال، ومراقبة الناس، ولكن للأسف هذا لم يقضى ولن يقضى عليها، من يعملون الخطأ يعرفون جيدا كيف يضعوه في قالب قانوني صح، ولكن عند تطبيق هذا المبدأ أو هذا الطلب، يساعد على زيادة نسبة التضخم في المجتمع لأنه وقتها لن يضع جزء كبير من الناس نقودهم في البنك ولا سيما أن معظمهم أو كلهم لن يستطيعوا أثبات مصدرها مع أنها شرعية وحلال، ولذلك ضع الناس تضع نقودها في البنوك وفي العلن وبكل حرية، وتجاوز عن نسبة الخطأ التي ستحدث من هؤلاء الذين يوجد شك في مصادر دخلهم. هذا أفيد وأحسن بكثير في العموم وللغالبية أيضا.
· يتم إصدار قانون ينص على أن كل من يتقاضى دخله من بلد أجنبي وبالعملة الأجنبية يتم تحويل نقوده هذه عن طريق البنك، ثم يصرفها بالجنيه المصري وبالسعر الرسمي فقط، وذلك لتتمكن من غلق باب كبير ومنفذ أساسي للسوق السوداء أو السوق الموازي، بدون تنفيذ هذا لن يتم القضاء على السوق الموازي أبدا. ولا سيما أنه يوجد عدد كبير أو نسبة لا بأس بها يحصلون على دخلهم من الخارج، وإذا تطلب الأمر أن ترفع قيمة التبديل قليلا من خلال البنك سيكون أفضل كثيرا أيضا.
· يتم تطبيق مبدأ أو إصدار قانون بأن كل وجميع العاملين في البلد يتم دفع مرتباتهم بالجنيه المصري وليس بأي عملة أجنبية مهما كانت الجهة أو الوظيفة، وخصوصا لمن يتقاضوا مرتباتهم من داخل البلد وليس من خارجها. ويتم تعميم نفس المبدأ وتحول الأجور للبنك ويتم الصرف بالجنيه المصري من الآن وإلى أن يتم تغيير القانون.
· عند تطبيق كل ما سبق ذكره سيتوفر لدى البنك سيولة كافية أيضا من العملات الأجنبية كذلك طوال الوقت وبسهولة.
· إذا كان مطلوب إصدار قرارات أو قوانين جديدة لتحقيق هذا فلنفعلها، ما دامت ستعود علينا بالنفع والفائدة، لا يجب أن نقول لا يوجد أحد يطبق هذا قبلنا، فلنبدأ نحن ونكون أول من عملها ونفذها وطبقها. دعونا نصبح فاعل وليس مفعول به.
· يجب زيادة عدد الموظفين في كل البنوك وخصوصا من يعملون في قسم خدمة العملاء، لا يوجد أي معنى من وجود عدد أثنين فقط يقوموا بخدمة كل عملاء البنك، مما يؤدي إلى ضياع وقت كبير عند الذهاب إلى أي بنك لقضاء أي مصلحة أو تنفيذ أي معامله، مما قد يترتب عليه أثار سيئة كثيرة جدا. نحن محتاجين لزيادة عدد العمالة والموظفين بما يناسب حجم كل منشأة وتعاملاتها وعدد عملائها أيضا.
· يجب ألا يتجاوز زمن وجود كل عميل داخل أي بنك أكثر من ربع ساعة بأي حال من الأحوال، وبالتالي يتم حساب عدد الموظفين المطلوب تعيينهم حسب عدد العملاء المترددون على كل بنك، أو أي مصلحة، أو مؤسسة، أو هيئة عموما.
· يجب عدم الانسياق وراء فكرة التحويل الرقمي والاعتماد عليه وخصوصا في مجال التوظيف، (استبدال الموظف بماكينة أو آلة) وهنا يتم طرح سؤال بديهي وهو، أين يذهب كل هؤلاء الموظفين أو البشر إذا لم يتم توظيفهم في مكان ما؟ هذا ما يؤدي إلى خلق عدد زائد من البطالة ونوع مختلف من أنواع التضخم المجتمعي الذي يؤدي إلى سلوك وأفعال سيئة جدا لاحقا.
· مرة أخرى لا يجب الانسياق وراء الفكر الأجنبي بدون حساب عواقب هذه القرارات والأفعال على المدى الطويل، يجب الاستفادة من التحول الرقمي في مجالات عديدة وكثيرة، ولكنها مازالت تخدم المجتمع وتفيد الناس وتساعد الموظفين، ولكن لا يجب الاستغناء تماما عن الموظفين.
· أذا تم تنفيذ كل ما سبق لن يكون هناك مجال أو داعي لاستخدام كارت أو حل سعر الفائدة للتحكم في الأسعار او السيطرة على التضخم. ولا سيما إنه ليس حلا جذريا، ولكنه مسكن مؤقت دائما.
· بما انكم بتجربوا سياسات الغرب الفاشلة، أرجو أن تقوموا بتجربة هذا المقترح الذي ممكن أن يكون المخرج الوحيد أو الحل لنا حاليا ولهم فيما بعد، ولا سيما أنه لن يحقق فشل أكثر، مقارنة بما يحدث حاليا. وشكرا.
· مقدمه: نوران فؤاد زهران، ١٨- يناير-٢٠٢٤
Comments